ضد جميع الحروب، ضد جميع الحكومات

:

فهم الحرب بين الولايات المتحدة وإيران.

cdn.crimethinc.com/assets/articles/2020/01/08/header.jpg

على إثر الغارة الأمريكية التي استهدفت الجنرال الإيراني قاسم سليماني في الثالث من كانون الثاني/يناير، والصواريخ الإيرانية التي استهدفت مواقع عسكرية أمريكية في العراق في السابع من كانون الثاني/يناير، فإن هناك قلق متزايد حول احتمال اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران. إن الأخبار السيئة تنتقل بسرعة في خضم هذه البيئة الإعلامية التي يسود فيها الخوف والغضب، وأسوأ تأويلات الأخبار تنتشر بشكل أسرع من البقية. من جهتنا فإننا نتوقع أن الحرب ستندلع ولكنها ستأخذ منحى مختلف عن الحرب التقليدية التي يتوقعها الناس، ونحن بصفتنا أعداء أزليين للحرب والطغيان، فإننا نؤمن بأهمية وضع استراتيجيات تترجم رؤيتنا.

الرجاء توزيع وطباعة هذا البوستر على أوسع نطاق

على إثر الغارات الصاروخية، فإن الحكومة العراقية أعلنت أن الجيش الإيراني أطلق 22 صاروخا، وأن 17 منها أصاب قاعدة عين الأسد انفجر منها 15 دون وقوع أي إصابات، حيث صرحت الحكومة العراقية بأن المسؤولين الإيرانيين قاموا بإبلاغهم عن الهجوم قبل وقوعه. إذا كان هذا صحيحا، فمن المرجح إذن أن الحكومة الإيرانية تعمدت تجنب استهداف عناصر الجيش الأمريكي، وأرادت في ذات الوقت إظهار أنها قادرة على ضرب أهداف أمريكية، وهكذا تتمكن الحكومة الإيرانية من حفظ ماء وجهها وإرضاء التيار المتشدد فيها مع إبقاء خيار عدم التصعيد متاحا أمام الولايات المتحدة.

إن الرد الحقيقي على اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني غالبا سوف يكون خارج إطار الحرب التقليدية، وذلك عبر الحرب بالوكالة والهجمات الإرهابية، حيث أن إيران تدعم عدة ميليشيات في المنطقة، وبالأخص في العراق حيث تنشط ميليشيا الحشد الشعبي، ولبنان حيث تنشط ميليشيا حزب الله والتي تعد أكثر قوة ونفوذا من الحكومة اللبنانية الرسمية. لقد شهدت العراق وسوريا بالفعل سنين عديدة من العنف، والآن يبدو أن المنطقة الممتدة من بحر قزوين وحتى البحر المتوسط ستظل ممزقة بفعل الحروب الأهلية لسنوات عديدة مقبلة. إن تنظيم الدولة الإسلامية- والذي خسر آخر معاقله قبل أقل من عام- سيحل محله تنظيمات أخرى مستفيدة من تجربة صعوده وسقوطه.

لذلك وبغض النظر عن كون التصعيد الأمريكي مع إيران سوف يؤدي إلى صراع بري على الأرض أو إلى احتلال، فإنه يمثل خطوة أخرى اتجاه سياسة خارجية أمريكية تفترض وتحضر لمستقبل من الحروب الأهلية العالمية، ونحن كمناهضين للحرب وللطغيان فإن علينا تحليل وفهم ما يريد السلطويون من كافة الأطياف أن يكسبوه من جراء هذا الأسلوب.

من المهم بداية أن نشدد على أن التصعيد الأمريكي للصراع مع إيران يؤكد نظريتنا بأن دونالد ترامب قام بتشجيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على غزو سوريا، فهذه لم تكن خطوة نحو الانسحاب الأمريكي من المنطقة بل مجرد إعادة خلط لأوراق التحالفات الأمريكية في المنطقة في اتجاه أطراف أكثر سلطوية، حيث قامت للولايات المتحدة بالفعل بإرسال 14000 جنديا إضافيا إلى المنطقة قبل إعطاء الضوء الأخضر لأردوغان، والآلاف من الجنود الإضافيين قد تم إرسالهم كذلك بعيد ذلك. إن “مناهضي الإمبريالية” المزعومين الذين رددوا كالببغوات كذبة ترامب بأنه قام بسحب القوات الأمريكية من دوامة “الحروب التي لا تنتهي”، قاموا بالمداراة بسذاجة على جهود ترامب في دعم الطموحات الإمبريالية الروسية والتركية وذلك لإخلاء الساحة له لتصعيد الصراع مع إيران.

بالرغم من المخاوف المنتشرة عند أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي بأن ترامب يحاول إشعال فتيل حرب لإشغال الرأي العام عن إجراءات عزله (التي وصلت إلى طريق مسدود)، أو إلى التلاعب بالرأي العام -الذي يعاني من الاستقطاب بالفعل- قبيل الانتخابات، فإنه من الواضح أن ترامب لا يسعى إلى الدخول في حرب تقليدية مع إيران، بل هو يرغب في استخدام القوة العسكرية الأمريكية كأداة دون شن عمليات عسكرية برية مستفيدا من المثال الإسرائيلي في المنطقة ، حيث يأمل ترامب أن يكون قادرا على إصدار الأوامر بشن غارات جوية عالية الدقة تستهدف شخصيات أجنبية معادية ذات مناصب كبيرة بدون الحاجة إلى احتلال بلد آخر، وبهذه الطريقة فإنه يستطيع الاستفادة من قاعدته الجماهيرية المناهضة للإسلام لتبرير ذلك، مع الحفاظ على الكذبة الواهية بأنه يقوم ب”إخراج الولايات المتحدة من دوامة الحروب التي لا تنتهي”. باختصار، فإنه يريد التصعيد دون أن يتورط.

إن حروب القرن الحادي والعشرين ستبدو مختلفة عن غزو واحتلال العراق عام 2003، والصراع الدائر في سوريا يعطينا فكرة عما يمكن أن نتوقعه: حرب أهلية تمتد لسنين تشارك فيها قوى عالمية بالوكالة عبر أذرعها الداخلية، ويغيب فيها التمييز بين المدنيين والعسكريين عند جميع الأطراف المتصارعة. قد نشهد غالبا مزيدا من العمليات العسكرية الرسمية التي تنفذها الدول مثل الضربة الصاروخية الإيرانية، ولكن القتال الفعلي سوف يكون بالوكالة على عاتق الميليشيا غير النظامية والمدنيين. و أبرز مثال على ذلك هو إسقاط الطائرة الأوكرانية مباشرة بعد الضربة الصاروخية، مما تسبب في مقتل العديد من الأوكرانيين والكنديين بالإضافة إلى الإيرانيين، كما يشكل استهداف المنطقة الخضراء في بغداد بصاروخين بعيد تصريحات ترامب بأنه لن يرد على الضربة الإيرانية دليلا إضافيا على ذلك.

إذن فإن الضحايا الرئيسيين لتصعيد ترامب سوف يكونون من المدنيين، غالبا من الأمريكيين والعراقيين والإيرانيين، وبالرغم من ذلك فإن ترامب يبدو غير مكترث باحتمالية أن المواطنين الأمريكيين قد يصبحون مستهدفين كنتيجة لقراره باستهداف سليماني. على العكس من ذلك، فمن المحتمل أن يرحب بترامب بهجمات تستهدف المواطنين الأمريكيين وذلك لأنه يعول على مثل هذه الهجمات لجذب المزيد من المواطنين الأمريكيين لتأييده تحت غطاء الخوف والجهل.

منذ عام 2001 فإن الحزب الجمهوري الأمريكي يقوم باستغلال سياسات الاستقطاب لشعوب بأكملها، مما أدى إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية، والهجمات الإرهابية، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الضحايا المدنيين، حيث أن سياسات الجمهوريين تعتمد على الأصولية الإسلامية لجعل أصوليتهم تبدو جذابة ولها شرعية، وهذا يجعلنا نقرأ تغريدة ترامب من زاوية أخرى عندما يقول “ كل شيء على ما يرام !” و” كل شيئ جيد حتى الآن” بعيد الضربة الصاروخية الإيرانية.

لا توجد أي قوة غاشمة بإمكانها الحفاظ على النظام النيوليبرالي العالمي، وترامب لا يسعى في الأساس إلى الحفاظ عليه، بل هو يسعى - رفقة القوميين الذين على شاكلته- إلى ضمان أن الصراعات التي ستحل محل النظام النيوليبرالي سوف تنشب على جبهات قومية ووطنية بدلا من توحيد كل الناس ضد الطبقة الحاكمة والتي هو يمثلها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الإيرانية تستطيع الآن الاستفادة من التصعيد الأمريكي لإضفاء الشرعية على سلطتها محليا في وجه الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها منذ شهرين.

وكرد على المكائد التي تحكيها حكومتا الولايات المتحدة وإيران، فإننا نهدف إلى كشف ومقاومة كل محاولات تحريضنا على بعضنا البعض. إننا نهدف إلى ترسيخ التضامن بين جميع القوميات والأعراق والأديان وعمل مافي وسعنا لإسقاط جميع الحكومات السلطوية من واشنطن وحتى طهران، حيث أننا نأمل أن الحركات الثورية سوف تندلع في جميع البلدان، وفي المقابل فإن الحكومات ستصعد من عنفها لقمع هذه الحركات وجعلها مستحيلة الانتشار عبر تحويل الثورات إلى حروب أهلية. في عالم يتجه نحو المزيد من انتشار الحروب التي يقودها القادة القوميون، فإن أفضل فرصنا للنجاة تكمن في بناء روابط بين الحركات الاجتماعية المكافحة مثل التي تنشط في لبنان، ومصر،، إيران ، و هونغ كونغ، وتشيلي وقبل فترة ليست بالطويلة في روسيا وتركيا، ونأمل قريبا أن يشمل هذا الولايات المتحدة كذلك. فلنقاتل هؤلاء الذين يريدوننا أن نموت من أجلهم بدلا من أن نقاتل بعضنا البعض.

إن هذا يتناقض بشكل صارخ مع الاستراتيجية المتبعة من قبل بعض اليساريين السلطويين في الولايات المتحدة، والذين دائما ما يبحثون عن سلطة معينة ليقوموا بدعمها، فنجدهم يضفون الشرعية على الحكومة الإيرانية. لنكن نحن واضحين: إن إضفاء الشرعية على الحكومة الإيرانية لهو بمثابة توجيه إهانة لدماء 1500 شخص سقطوا بنيران الحكومة الإيرانية أثناء الاحتجاجات الأخيرة. إن هذه الخطوة لبمثابة إضفاء شرعية على كل السجون وقوى الشرطة وكل أشكال الطغيان التي ثار ضدها الشعب الإيراني. لا يتوجب علينا منح الشرعية للحكومة الإيرانية لندين محاولات ترامب لاستدراجهم كي يستهدفوا الولايات المتحدة. إذا كان هناك أي حلفاء طبيعيون لنا في هذا السياق فهم سيكونون المعادين لسلطة الحكومة الإيرانية كما نعادي نحن سلطة ترامب بالضبط.

من جهتنا فإن شبكتنا تضم لاجئين أجبروا على الفرار من قمع الحكومة الإيرانية، فنحن لا نستطيع دعم “الأقل شرا بين خيارين”، ولا يمكننا كذلك القبول بهذا التفكير الثنائي الذي يقول بأن أي طرف تعاديه حكومة الولايات المتحدة لا بد أن يكون طرفا جيدا ويتمتع بالشرعية، ونحن في ذلك ندعم موقف “تحالف الاشتراكيين/ات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” الذين صرحوا بأن

“معارضة الإمبريالية الأمريكية متمثلة بالغارات الجوية والتهديدات بالحرب ضد إيران والعراق يمكن فقط أن تكون فعالة عندما تكون متمثلة بالتضامن مع القوى التقدمية والثورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع معارضة تامة لكل الحكومات السلطوية والقوى الإمبريالية في المنطقة”.

إننا نرغب في رؤية التقدميين في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم يقومون ببذل جهد مضاعف لمعرفة المزيد عن نشاطات الحركة المناهضة للسلطوية في إيران وفي مناطق أخرى في الشرق الأوسط ، بدلا من نعت قاسم سليماني على أنه “بطل معاد للإمبريالية”. إن كلا الطرفين الذين يرغبان في فرض ثنائية “ترامب أو إيران” علينا هما متماثلان من ناحية أنهما يعتمدان على التهديد الذي يمثله الطرف الآخر كي يجبرانا على الانضمام لهما، إلا أنه يتعين علينا التفكير في خيار آخر، ألا وهو طريقنا المشترك نحو الحرية.

لهذا يتعين علينا أن نكون ضد جميع الحروب، وضد جميع الحكومات، وضد جميع أشكال القمع، فنحن نؤمن بقوة بأن جميعنا كبشر نتمتع بالقدرة على تقرير المصير، والمساعدة المتبادلة، والتعايش السلمي. فالحكومات في أوقات الصراع تريدنا أن نخاف من بعضنا البعض لكننا نعرف دائما من هو عدونا الحقيقي.


“إن العالم ليس منقسما إلى دول. إن العالم ليس منقسما إلى شرق وغرب. أنت أمريكي، أنا إيرانية، نحن لا نعرف بعضنا البعض، ولكن عندما نتحدث مع بعضنا فنحن نفهم بعضنا بشكل ممتاز. إن الفرق بين حكومتي وحكومتك هو أكبر بكثير من الفرق بيني وبينك، وحكومتانا متشابهتان كثيرا في الأساس”.

مرجان ساترابي.